ذكريات من حيز مُتخيَل
إن لقاء الفنانين اليهود والعرب، خلال فترة الإقامة الفنية المشتركة، هو بمثابة تحدٍ فيه تعقيد، وخاصة في الفترة الراهنة. رغم ذلك، انطلقت الدورة الثانية من برنامج الإقامة الفنية الذي تنظمه جڨعات حبيبة في شهر يناير 2024. يُتيح برنامج الإقامة الفنية للفنانين الشباب، العرب واليهود، خريجي المؤسسات الفنية المختلفة في إسرائيل، فترة من الإبداع إلى جانب خوض نشاط تربوي واجتماعي يتميز بروح جڨعات حبيبة. المعرض يضم تلك المشاريع التي عمل عليها المشاركون في البرنامج خلال فترة الإقامة الفنية.
اختار
البعض أن يصبّوا اهتمامهم على البحث في
الحيّز المادي والثقافي الخاص بجڨعات حبيبة ومن خلال "نتائج" أبحاثهم لتطوير أعمال تفحص، كل
بطريقتها الخاصة، كيف أن المواد، الأشكال والأصوات توظّف كأدوات لتوصيل المعنى. بينما اختار
آخرون التركيز على مسائل الهوية الشخصية، الجنسانية والثقافية وعلى علاقة الجسد
والنفس.
يُعد
البورتريه، وتحديدًا البورتريه الشخصي، الوسيلة الأكثر شيوعًا للغوص في أسئلة
الهوية. تستخدم أشواق مرعي الشخصية ذاتها في ثلاث لوحات لتستعرض
شخصية امرأة مثالية تتميز بالقوة والجمال - خارجيًا وداخليًا – من خلال شخوص
ذات مظهر واقعي تذكّرنا بشخصيات من الأساطير. بينما تُقدم بيلسان كريم بورتريه شخصي مزدوج لها، فيه تظهر
شخصيتها مقابل شخصية والد جدها؛ الرجل المثقف والمُنفتح: هو الأصل والقدوة بالنسبة لها، كامرأة
تحمل شعلة النسوية وتؤمن بقدرة المرأة، وتستند في ذلك على قصة خيالية كتبها عن
امرأة/ ذئبة محاربة. يمكن رؤية مسألة الأسطرة الذاتية (من أسطورة)، وذلك الربط
بين الإنسان والحيوان، في منحوتة الفنان عبيدة دحلة، الذي يقدم شخصيته على أنها قنطور،
كائن خرافيّ نصفُهُ رجل ونصفُهُ حصان.
وعلى
عكس تلك القسوة الملحمية القتالية التي ميّزت المخلوقات الأسطورية، نجد بأن شخصية دحلة تتضمن أيضًا رموزًا تتعلق بأدوار
لها طابع أنثوي، مثل الجرة التي على الرأس والطفل المُجنَح الممسك بذراعه، وتتعلق
بالإيمان الديني المتمثل بالقرآن الذي يحمله في يده الأخرى. هوية المرأة في المجتمع هو موضوع
مركزي في أعمال هداس الماجور، وهي فنانة متخصصة برسوم الأنيميشن
والتي اختارت هذه المرة أن تستخدم فن الخزف القديم في أعمالها. من خلال
مجموعة الأطباق الخزفية التي طبعت عليها نماذج ومطرزات من فساتين ورسومات لشخصيات
نسائية بملابس/عارية، تربط هداس جوانب مختلفة
من عوالم النساء اللواتي تلتقي بطولاتهن ومحبتهن على الطبق.
الجسد
وآلامه هو موضوع يشغل فكر الفنانات بشكل رئيسي. تبدو إرم إغبارية
وكأنها تحرر من داخلها كل تلك الأشياء المكبوتة، كل ذلك الألم المقموع، من خلال
رسم مميز يتمثل بزفرة هواء في وعاء من الطلاء السائل. الطلاء المنسكب على القماش يخلق، دون
أي تدخل، لوحة تجريدية، سطح لوني، وسطه داكن ومظلم. الجسد المكشوف، الضعيف والغامض يشغل
بال ملاك منصور، التي طورت وحولت الرسومات التي
اشتغلت عليها في البداية إلى منحوتات تعبر
عن عالم داخلي حزين ومتوحش.
أصداء العلاقة بين التجربة الشخصية وبين الواقع
الخارجي الذي يُميز المكان - جڨعات حبيبة - والزمان - الحرب – تظهر من خلال طرق مختلفة لدى عدد من
الفنانين. قام يوناتان دافيد، وهو موسيقي، جندي احتياط وفنان في
الاستوديو، بجمع أصوات كان سمعها خلال فترة تواجده في الأماكن التي مكث فيها وعمل
على تركيب مقطوعة صوتية منها التي تكون صامتة في حالة الثبات ومسموعة عندما يتم
تحريكها إلى مجموعات متقاطعة ومتصادمة بتراتب عشوائي. قامت نوعاه كورنيك
بتجميع أشياء من البيئة المُحيطة، من الأرض وبنت منها نموذجاً لمبنى، زخرفة منمنمة
هشة واهية. ومن بين التفاصيل يمكن أن نلاحظ مدلولات تتعلق بالحرب الحالية والحروب
السابقة التي انبثقت من الذاكرة العائلية والذاكرة الوطنية كما يتم نقلها من جيل
إلى جيل من خلال جهاز التربية والتعليم.
كانت
عملية تجميع الأشياء من المناطق المحيطة بجڨعات حبيبة، وخاصة تلك الأشياء التي
تكسرت، تمزقت، سُحقت ورُميت بعيدًا كنفايات، هي العمل الذي دأبت الفنانة أفيف كيشت على القيام بها خلال فترة الإقامة الفنية. إن وضع تلك
الأشياء ضمن سياق جديد يترجمها إلى قصة جديدة - قديمة لتناوبات الزمن، للفقدان والألم، التي تظهر من وراء قصص الأجزاء
المُكسَرة. جڨعات حبيبة، كحيّز مادي مبني، كنموذج اجتماعي وسياسي وكبيت مؤقت للفرد
وللمجموعة، كان هو المادة الخام التي بحث فيها بن ألون ، من
خلال صوره الفوتوغرافية، عن روابط ممكنة بين ما هو قريب وبعيد، بين الطبيعي
والصناعي، بين الضوء المتلألئ والظلام المحيط، وبين الجمال البريء المُزهر بين
بقايا بشعة لا معنى لها للوجود الإنساني.
الأشهر
الثلاثة، فترة الإقامة المشتركة لفنانين لم يسبق أن التقوا معًا، وجاءوا من ثقافات
وخلفيات فنية مختلفة وعاشوا وأبدعوا في نفس الحيّز، هي فترة قصيرة من الزمن. وعلى الرغم من
ذلك، تمكن الفنانون من صياغة أعمال جديدة وهادفة لكل واحد منهم والتي لابد ستتطور
أكثر خلال مسيرتهم الفنية.
دالية مانور، قيّمة فنية
הזמנה לתערוכה
טקסט אוצרות
עדיין אין תגובות לדף זה.
מוזמנים להגיב!