חסר רכיב

ملح البلا وعروس البحر



سيغليت لنداو القيّمة: عنات ليدرور يعكس لنا معرض أعمال سيغليت لنداو ويوتم فروم، في جفعات حبيبة، ذلك التوتر، اللقاء وحدود الممكن ما بين اليهودية - العربية، الغربية - الشرقية، الذكورية - النسوية، من خلال أعمال مغروسة عميقًا في هذه البلاد. يبدو وكأنه لم يتم من قبل تصنيف أعمال سيغليت لنداو على أنها أعمال سياسية، وهذا بالفعل رأيٌ له ما يبرره بدرجة كبيرة إذ: أعمالها تحفز أحاسيس ومشاعر أولية بقوة كبيرة، أعمالها محض فن بأبهى صوره، ولكن بنهاية الأمر هي أعمال فنية سياسية جدًا. ربما ذلك نابع من أنه في كل عمل لها، كل معرض أو كل مكان أنتجت فيه أعمالا فنية، كانت لنداو تخلق عالمًا، تخلق موضوعًا متكاملاً فيه تجربة حسية قوية، جمالية دقيقة، روابط تربطنا بموضوعات، مراحل وأعمال من تاريخ الفن، تداعيات شخصية - انسانية والتي تتوازى مع ذات الوتر، ودلالات إسرائيلية كانت نجحت، بشكل استثنائي، بتخطي البحار كذلك وصولاً إلى الجمهور الواسع الذي شاهد أعمالها خارج البلاد. في بداية طريقها نجحت لنداو، من خلال فنها، بزعزعة تلك الثوابت الموجودة في عالم الفنون، زعزعة تلك العقلانية العنيدة، التسلط الذكوري ومسألة الخوف من الروحاني في الفن؛ الخوف الذي بعد 25 سنة بدأ بالتصدع أخيرًا في عالم الفنون.

 سيغليت لنداو لها ضلع في هذا الأمر. لقد جلبت روحًا جديدة، روحًا تتغلغل بدون خوف؛ فن حر، وأحيانًا إلى أبعد حدود، صغير أو كبير، ليس فقط على مستوى البعد الجسدي وانما على مستوى كل الأبعاد، مثلها هي تمامًا. لنداو ذاتها لم تتوقف يومًا لتتحدى تلك القوى بل ظلت متقدمة في دوائرها، تلك الدوائر التي ستظهر مرارًا في أعمالها، في شكلها الأولي، المتعاقب، التأملي والكامل. מראה הצבה كفنانة عرضت ولا زالت تعرض في أماكن هامة جدًا في العالم وفي البلاد، ما الذي قد تمنحه اياها جفعات حبيبة البسيطة المتواضعة؟ ربما اللقاء بين فنها وبين فكرة حية، حيّز قائم، مكان فيه يلتقي أشخاص وثقافات، حياة، يتعلمون ويبدعون معًا، رغم كل التعقيدات الموجودة. ربما حتى نظرة تجمع على محور واحد اللقاء بين: كيبوتسي / نقبي، مقدسي، أشكنازي/ فلاح - عربي/ غزي/ أردني/ عمالي/ مُنتج. هكذا تشكلت في الحيز أعمال فنية من حقب مختلفة والتي غالبًا لم تظهر معًا من قبل، فيها نقاط تلاقٍ صغيرة / كبيرة بين الغربي واليهودي، الأوروبي، الشرقي العربي، الشرق أوسطي. جفعات حبيبة مفتوحة لكل الأوساط ولكنها مكونة، كتجمع، بغالبيتها من أعضاء كيبوتس ومن مواطنين عرب من سكان وادي عارة. جذورهم تعود الى يهود شرق أوروبا، جذور صهيونية وطلائعية بالأصل وجذور عربية متجذرة عميقًا في المكان؛ فئتان تعرفان جيدًا وتتذكران معنى الاقتلاع من الأرض والنزوح عنها، والذي تحملانه في أعماقهما. في عملها الفني الوجداني "موت البجعة"، محفورة روائح الشارع الشرقي وذكرى الاكسسوارات الأوربية مثل علبة الاكسسوارات التي تعزف موسيقى البجعة الميتة لمؤلفها كامي سان - سانس. تلتقي جفعات حبيبة مع هذا العمل في واحدة من نقاط الالتقاء والمفارقة في آن التي لا تروى دائمًا. ثقافتان، كل واحدة منهما في طرف مختلف، والرابط بينهما هو فكر أخلاقي انساني مُشترك، والذي في أيامنا هذه يبحث عن حبل نجاة في بلادنا. 

اللقاء بين رؤيا جفعات حبيبة وأعمال لنداو يفتح أسئلة غالبًا لم تُطرح ولم توضع على الطاولة. هل، مثلا، إمكانية بناء جسر طافٍ بين إسرائيل والأردن فوق البحر الميت، المشروع الذي أبدعته لنداو كفكرة ممكن تحقيقها، تهم سكان وادي عارة وعموم المواطنين العرب في اسرائيل؟ بالمقابل، معاهدات السلام الأخيرة مع دبي، البحرين والمغرب - أين تلتقي مع عرب إسرائيل؟ كيف سيلاقي الحيز الداخلي للمعرض الذي فيه العري جزء طبيعي وحاضر جمهور عرب وادي عارة، الذي يشمل رجالا ونساء، متدينين وعلمانيين، بالغين وشباب؟ 

في فيديو "الطوق الشائك" البسيط والحميمي، تقوم بتدوير الطوق حول بطنها بينما الطوق المصنوع من الشريط الشائك ينخز ويجرح جسمها مع كل دوران له. بينما الجسد يتألم من دوران الطوق والألم الذي يحبس البطن، في الخلفية نرى البحر والأفق الواسعين واللانهائيين. DeadSee هو عبارة عن عمل فيديو مركب وهام، نادر من ناحية أبعاده المختلفة. في هذا العمل نجدها حاضرة أيضًا بشكل كامل؛ دقيقة، عارية كجزء من سلسلة بطيخ، تنزف بالنهاية. يتم عيش الجمال والألم في آن معًا في خط قاطع يتجه أولاً إلى البطن بينما يتخطى الرأس الذي يحاول التحليل. يعمل ذلك النوع من الكشف على صعيدين اثنين، فللحظة هو عامل انفتاح وللحظة فيه ذلك العري الصادم. محور آخر نراه في حيز المعرض هو محور الذكوري - النسوي. النسوي المتمثل بجسد لنداو، ومن خلال الجسد الغائب لشخصية ليئا بفستانها الأسود وفيه سلسلة النساء اللواتي مثّلن دورها في مسرحية "ديبوك" على مدى سنين، مثل حنا روبينا وغيرها. يظهر ذلك المحور أيضًا من خلال شخصية العروس الغائبة التي تظهر بالفستان الذي صار أبيض بفعل الملح، ومن خلال النساء الثلاث اللواتي يحفرن الأرض المستترة خلف الأمواج عند آخر الشاطئ، على الحدود بين المياه اللانهائية، للأرض بين أشكلون وغزة في عملها الفني "حوريات البحر". كل تلك الأفكار تظهر أمام الجسد الذكوري المتمثل بحركات أجساد العمال الذين يقطفون الزيتون في كيبوتس رفيفيم في النقب، بملابسهم التي تغسل - تعصر في العمل الفني "شباك"، بالرجل الذي يحضّر الكنافة والشبان الذين يلعبون بالسكين لعبة "تريتوري" بالرمال الذين نراهم في فيديو "غزقلان". في فيديو "أيادي"، اليدان اللتان تحفران في الرمل هما يد امرأة ويد رجل تتحركان لتلتقيا بدون النظر ولكن مع توجيه ومعرفة مسبقة. 

هنا تجتمع اللقاءات الجندرية، السياسية والاجتماعية على خلفية صوت شخصيات سياسية، من بينها: ياسر عرفات، بنيامين نتنياهو، ايهود أولمرت، أحمد طيبي، بيل كلينتون، شمعون بيرس، اسحاق رابين وبراك أوباما. بالنهاية صار هناك مكان فيه يمكن أن تمتزج الألوان، لكن ألا تُمحى. هي ليست وحدها: خلف سيغليت لنداو هناك طاقم كامل. انه طاقم عمل، انتاج وتنفيذ. لنداو هي فنانة نشيطة وعاملة قبل كل شيء، وهكذا هو طاقمها أيضًا. يوتم فروم، زوجها ومصور رائع، حاضر معها في كل أعمالها. المعرض، وتحديدًا الصور الظاهرة فيه، هي نتاج عمل مشترك بينه وبينها. هذا المعرض صغير - كبير: الحيّز محدود، المواضيع كثيرة. ستجدون في المعرض حيّزًا متدفقًا من أعمال التصوير، فيديو، مُجسمات منحوتة، جدارية خارجية ستبقى هنا، تنظر إلى عمل الفنان داني كارفان "البيارة". فن سيغليت لنداو بلا شك هو فن فاتن. فاتن بجماليته وبالألم الذي فيه، ولأنه فن لا يقبل المساومة، فنٌ يصمم على الممكن في الواقع. داخل هذا الممكن، أيضًا وتحديدًا في البلاد التي فيها مجموعة كبيرة من الثقافات المتعددة، تلك الهيمنة وحرب الهويات يمكنها أن تتبدل لتصبح بابًا حقيقيًا قد يُفتح. لدينا، في جفعات حبيبة، هذا الأمر يحدث فعليًا. عنات ليدرور، قيّمة المعرض.

מסיק- גדעון עפרת (ערבית) 
חסר רכיב