חסר רכיב

أنا الفن العامل

'أنا الفن العامل'

دينا شتشوپك – تسيلا ليس
معرض" أنا الفن العامل" يجمع بين الفنّانتين المخضرمتين في حقل الفنون الإسرائيلية وحيّز فن الكيبوتسات: دينا شتشوپك وتسيلا ليس. يقدم المعرض، الواحدة بجانب الأخرى، مسار كل من شتشوپك وليس كفنّانات نساء من الكيبوتس (شتشوپك من كيبوتس ميتسر وليس من كيبوتس عين شيمر) يتقصين علاقات أنماط مواجهتهن مع أسئلة الالهام وتأثيرات الفنون، مقابل المجموعة، قيمة العمل والنظرة النسائية الجندرية.

"أنا الفن العامل" يتقصى مدى تماثل النساء الفنّانات في الكيبوتس مع الأهداف المشتركة، أو هل يستهدفن طرق أخرى، أو صراع مخفي أو مكشوف؟ هل الفنّانة (المرأة) في الكيبوتس متأثرة بقيم المجتمع التشاركي الذي تعمل داخله؟ هل يعمل الكيبوتس على بلورة أعمالها بطريقة ما؟ هل قيمة العمل، والتي تعتبر في الكيبوتس قيمة عليا وشبه دينية على مدار سنوات عديدة، فهل انغرس هذا في أعمالهن كوجهة نظر وكأسلوب حياة؟ هل بالإمكان تشخيص هذه القيم في تقنيات أعمالهن؟ في المضامين؟ هل يشعرن بالحاجة إلى البرهنة على قدراتهم بالبناء والإنتاج، على غرار الرجال، أم يقترحن نظرة أخرى؟ نسائية؟ فردانية؟ وماذا بالنسبة لتصوّر المساواة الجندرية في الكيبوتسات في السابق والآن؟ شتشوپك وليس، كل واحدة بطريقتها، يتجاوبن مع الحضور القوي للمجموعة وللأدوار التقليدية للنساء، التي بقيت رغم التصريحات الظاهرية بالمساواة.

دينا شتشوپك

دينا شتشوپك ولدت عام 1931 وترعرعت في مدينة قرطبة (الأرجنتين)، وهناك تربت في إطار حركة هشومير هتسعير على ثقافة المعارضة من قبل اليسار الأرجنتيني ضد استبداد النظام. مشبعة بروح الطلائعية وضعت في مركز أعمالها الأولية مُثل المرأة العاملة. فمنذ بداية مشوارها عملت على الربط بين أساليب الأفنغارد الحداثوي -  كازيمير ماليفيتش على وجه الخصوص وحركة السوبرماتزم التي أسسها في روسا الثورية – وبين عناصر نسائية مثل شرشف الدانتيل وكتابة مقولة: "امرأة عاملة". الخطوط  القطرية المائلة للتكوين السوبرماتزمي تخترق حدود المربع، وعلى الأرضية، مشغولة من الخشب الطبيعي، ثلاثة أشكال هندسية تمثل الطلائعية لدى ماليفينش: مربع، دائرة وصليب، ثلاثة أشكال أساسية رافقتها على طول مشوارها الفنّيّ. يؤكد هذا العمل الرئيسي التناقض بين الحيّز البيتي النسائي ولغة الأفنغارد الذكورية المُخترقة وأيديولوجية الضيق. شتشوپك واعية لهذا الصراع الداخلي وتعمل من داخله.

لاحقًا أنجزت شتشوپك سلسلة أعمال من الصوف الفولاذي وليفة معدنية للتنظيف، مواد تتعلق بعالم التنظيف والتلميع لأعمال النظافة، وهي تترجمها كعادتها إلى مادية صرفة تجريدية، تدمج الخشونة والليونة في الوقت نفسه. وفي التسلسل نفسه تم انتاج أعمال البناء: مجموعة من اللوحات الزيتية على قماش التي تشكل لبنات لبناء هرم كبير. وعلى رأسها مروحيات وأسلحة. ومن خلال وعيها للصراع  تكتب شتشوپك على الأعمال "كيف نبني؟" وتواصل "كيف نبني بيتًا؟"، "كيف نبني أسرة؟"، "كيف نبني دولة؟".  بطريقة نسائية متحيّزة من الداخل، تسأل شتشوپك أسئلتها حول رؤيا المشروع الصهيوني الذكوري.

وبطرقتها الخاصة ومن أجل "ترويض" الطلائعية الذكورية التزهدية تترجمه شتشوپك إلى لغة الغزل والنسيج والتطريز. ففي مشروعها المتواصل تقوم "بالنسج" بألوان زيتية والفرش الرقيقة، أو "تطرز" أو "تغزل" هندسية ماليفيتش و"تروضها" إلى داخل منظومة صبورة من العمل الدؤوب عير المتناهي. وحقيقة كون العمل رسمًا للملائكة وليس الملائكة بنفسها، فهذا يعزز الوعي الذاتي للمرأة الفنّانة، فهي تعمل عن طريق الرسم، وتصوغ بواسطته المقولات المطلوبة. فالطلائعية النسائية يمكن أن تكون منسوجة أو مغزولة. يجب فقط التحيّز له من الداخل. هكذا "نسجت" أيضًا مخدات الدانتيل، التي لم تقدم كمهر يوم زواجها. وفي لفتة من الحب، محافظة على موقفها المستقل كامرأة منتجة وعاملة، قامت دينا شتشوپك برسم مهرها المتأخر من أجل زوجها مارتين، مزركشًا بالحروف الأولى من اسميهما.

الصورية الحداثوية التجريدية تميّز لغة النحت لدى شتشوپك. وفي هذه المرة أيضًا تحاول الربط بين تقليدين لا يترابطان أصلا، تقاليد الأعياد وتقاليد التجريدية الحداثوية. شتشوپك لا تخضع لتقاليد التزيين لأعياد الكيبوتس، عملت على تصميم منحوتات صورية هندسية علمانية، تتناول فيها سلسلة من رموز الأعياد: العريشة، الشمعدان، بوابات عيد العومر وما شابه.

وقد قادها وعيها الاجتماعي إلى عمل "الطابور"، وهو عمل أنجزته بوحي تعرفها على الحياة في الولايات المتحدة ويتناول اختفاء الأطفال من بيوتهم. بروتريهات لأطفال مفقودين طبعت على أكياس سوبرماكرت هي أساس العمل التركيبي المعقد، مشغول برقائق النحاس، يتناول الجوانب المظلمة من حياة الحداثة، الإهمال ومعاناة الأطفال.

تسيلا ليس

تتناول تسيلا ليس على نحو متواصل التوتر القائم بين الفرد والمجموعة وما يرافقها من أغراض. ولدت ليس عام (1945) في الكيبوتس، وتربت في إطار النوم المشترك وفي مؤسسات التعليم التابعة لحركة هشومير هتسعير في الفترة التي كانت فيها الهويّة الكيبوتسية في أوج قوتها، وهي تبحث عبر فنها عن مسارها الشخصي داخل حيّز مكتظ  ومأهول. الشخصية الرئيسية في عملها تخطط للخروج من الحيّز المكتظ والبدء برحلتها؛ فتجمع الزوادة، وتبني أجهزة الإبحار والطيران، "تضع" أغراض متحركة (زملائها الحراس) على عجلات وتؤشر معالم ورموز تشير ظاهريًا إلى الاتجاه، أما عمليًا فإن الهدف مجهول: ليس من المهم إلى أين، المهم هو الخروج.

"لوحة العناوين"، العمل الرئيسي الذي انتجته ليس عام 2001، يختزل صعوبة الحياة التشاركية في مرحلة تفكك النهج القائم، بينما لم يتم بعد تشكيل النهج الجديد. الحياة في تلك البيئة تفتقر لليقين وتنتج الخوف والرعب، مما يعيد ليس إلى التمسك بأغراض يومية، التمسك الذي يمنحها (ويمنحنا جميعنا) الوهم بالأمان. فهذه أغراض "الموجود"، القائم والآمن، والتي تظهر بداية في لوحاتها وتخرج لاحقا إلى الحيّز النحتي (بعضها يظهر ك"أعمال ناجزة"): طاولة، كرسي، ابريق، طنجرة، وعاء. تحول ليس هذه الأغراض إلى "حراس الطريق" لجميع الشخصيات الوحيدة، التي تفتقر لهويّة شخصية، والتي تسير مع القافلة. وفي المقابل، عملت ليس على فصل الرأس عن الجسد الكامل لتنسخه داخل قالب أبيض موحّد، داخل خط انتاج صناعي، ومموضع داخل نظام مثالي على منصات متحركة. تعرض ليس الرأس البشري كغرض أبيض خالي من اللون، أداة تخدم الأيديولوجيات المنهارة ومن أجلها. الشخصية المنسوخة لدى دينا ليس، ليست مجهولة فقط، بل خالية من الجندر. وفي حالة وجود ولو قليلا من الجندر فهو ذكوري أكثر. تخفي ليس كل مؤشر نسائي وتخلق وحدة يتردد صداها.
تعمل ليس بشكل خاص على الورق بتقنية التخطيط الدؤوب والدقيق بواسطة أقلام. مؤخرًا استبدلت ليس لغة الأغراض بنسيج من النماذج التجريدية، والتي تواصل الحفاظ على الانضباط النظامي، لكنهها تتحول إلى تراتيبية داخلية بين الانسان والطبيعة. وفي مجموعة هذه التخطيطات تسيطر شبكة معقدة من السيقان والفروع، التي تحمل إزهارًا جافًا ل"اليشمانيات الجلدية" ودرنات مغلقة. رؤوس بشرية صغيرة، تشبه اللؤلؤ، تطفو داخل أيكة نباتية تفتقر للجسد والاتجاه. وفي نهاية الأمر تنجح ليس بتحويل العمل الدؤوب إلى نسيج لامع من الجمال الساطع.
_______________________________________

ليس و شتشوپك عاملتان: تعملن وتبنين بشكل خاص، لا يرتحن. فنّانتان تبينان منذ سنوات عديدة خطًا على خط وسطرًا على سطر كعالم مستقل يصوغ مقولات شخصية. وفي طريقتهن التي تربط شبكة وانضباط مع تمرد نقدي هادئ، ويسمعن صوت الفرد الواحد، وصوت امرأة بشكل خاص، داخل الكولكتيف. وتكمن قوتهن في شجاعتهن على القول: "أنا الفنّانة العاملة"، "أنا أعمل بنشاط دؤوب" واصرارهن على أهمية المقولة الفنّيّة في عالم قيم العمل التي تُفسر بمصطلحات الكتلة والوزن الذكورية.

يتيح هذا المعرض، الذي ينظم داخل فضائين – جاليري جبعات حبيبة جاليري غان شموئيل – نظرة عميقة واسعة، تمتد على مدار عدة عقود، على أعمال ليس و شتشوپك والإدراك بأن التبصر يتوسع و"الفن يعمل" بالفعل.

عنات ليدرور وطالي تمير   قيّمات المعرض

חסר רכיב