חסר רכיב

ملح البلا وعروس البحر

قطف الزيتون | غدعون عفرات في حوالي سنة 1930 قام موشيه كاستل برسم لوحة زيتية وأطلق عليها اسم "قطف الزيتون". في تلك الفترة كانت قد مضت ثلاث سنوات على وصول الفنان الشاب من القدس الى باريس، وقد عاد في رسوماته الى مناظر من طفولته، الى ذكريات شاعرية عن شكل الحياة والطبيعة الأرض
اسرائيلية-العربية. في لوحة "قطف الزيتون" نرى أفراد عائلة عربية يقومون بقطف زيتون عن أشجار كرم موجود بالقرب من قرية عربية. طقس ربيعي، رجال عرب بلباس تقليدي يتسلقون السلالم ونساء عربيات يلملمن عن الأرض حبات الزيتون المتساقطة. يوم جميل آخر في فلسطين، في مكان ما في جبال يهودا بعد ذلك بزمن
ليس بطويل، خلال الثلاثينات من القرن الماضي، قام رؤوبين روبين برسم
لوحة يُشار اليها عادة باسم "منظر توراتي"، على الرغم من أنها تعبر عن
قطف الزيتون. فرشاة رؤوبين ناعمة، اللوحة "ضبابية"، والنزعة الشاعرية
الشرقية ما زالت نفس النزعة رؤوبين روبين، قطف الزيتون، زيت على قماش | موشيه كستل، قطف الزيتون، 1928، ألوان زيتية على قماش الشاعرية: كرم زيتون، قرية عربية ظاهرة من بعيد، رجال عرب على سلالم ونساء يلملمن حبات الزيتون. من خلال نظرة فضولية فقط قد تكشف أن أسفل السلم الأيمن هنالك شخص يأخذ قيلولته بجانب حماره، بينما على رأس السلم يقف... ملاك. أهه، "سلم يعقوب". من هنا – "منظر توراتي". وإذاً، ما زلنا في جبال يهودا، في بيت إل. على كل حال، كرم زيتون رؤوبين هو موقع مقدس يندمج بشكل متناغم مع الملحمة الشاعرية الأرض اسرائيلية-
الفلسطينية ويمجدها.

على مدار تاريخ الفن الاسرائيلي تعتبر شجرة الزيتون رمزاً معروفاً لجذور صامدة وقديمة جدا. هكذا هي "تجاعيد" الجذع المعقود والمثقوب في رسومات أشجار الزيتون من ابداع آنا تيخو التي تلت تلك الأيام (1940 تقريبا).
يوجد هنا نوع من الاستعارة لشعب اسرائيل، رغم أن هناك فنانين فلسطينيين تبنوا أيضا شجرة الزيتون كرمز وطني، من بينهم الفنان وليد ابو شقرة. بالمقابل، تقديس شجرة الزيتون الباقية رغم هرمها وتكسر جذوعها، والتي يشبه جذعها شكل نبي أو شكل عيسى، كل هذا في الرسومات الفحمية لليوبولد كركوير من سنة 1930 تقريبا. تجدر الاشارة الآن الى أن سيغليت لنداو تطرقت الى أشجار زيتون نضرة تعاني تنكيلاً. وبنفس الوقت، ما زالت تقدس كرم الزيتون.

شهدت سنة 2012 عدداً لا بأسه به من حالات التخريب والتنكيل من قبل مستوطنين بأشجار زيتون تابعة لفلسطينيين في مناطق الضفة الغربية. لقد تحولت منذ سنوات الملحمة الشاعرية الاسرائيلية الى مأساة نتيجة مضايقات وأعمال نهب. حتى إنه في سنة 2012 حاول مستوطنون في السامرة الادعاء أن نشطاء فلسطينيين هم الذين يتلفون أشجار الزيتون حتى
يخلقوا حالات استفزاز وللتحريض ضد اليمين.... 1 حدث ذلك في نفس السنة آنا تيخو، شجرة زيتون، 1940، رسم على ورق | وليد ابو شقرة، شجرة زيتون في منطقة النصب، 2011، نقش جاف 1 "قناة 7", انترنت, 15.10.2012.

التي أتت فيها سيغليت لنداو الى كرم الزيتون الكبير في كيبوتس رفيفيم في النقب وصورت فيه بعض أفلام الفيديو تتناول موضوع قطف الزيتون. فيما يلي، أفكار عن قطف الزيتون وعن الاستنتاجات.

يمتد كرم الزيتون في رفيفيم على أرض مساحتها 3600 دونم وهو عبارة عن شركة عالمية مشتركة لكيبوتس رفيفيم وشركة Red Oil الكبيرة من آيوا في الولايات المتحدة. يقومون هنا في رفيفيم بتنمية الزيتون للطعام وللزيت. عمال فلسطينيون يقومون بقطف الزيتون في هذا الكيبوتس في جنوبي البلاد. اختارت سيغليت بعضا منهم، ألبستهم قمصاناً كانت قد أعدتها مسبقاً ووثقت من خلال الفيديو العمال وهم يقرّبون ماكنات هز ليوبولد كركوير، عيسى-شجرة، 1941، طباشير على ورق الشجر من الجذوع، يفرشون قطع نايلون تحت الشجر، يضربون بالعصي على الجذوع المترددة، يجرون قطع النايلون وعليها حبات الزيتون والخ. من بين هذه الأفلام تم طباعة أربع صور معروضة في المعرض الحالي. الصور الأربع هي: "سياط" ، "انقضاض"، "أولاد الشمس" و"المغنية في الحديقة". هذه الصورة الشاعرية تم تحويلها الى صورة
"معركة": عاملان فلسطينيان (يضعان قبعة على رأسيهما ويغطيان وجهيهما بوشاح للحماية من الشمس) ينقضان على شجرة الزيتون، يرفعان عصي رقيقة وطويلة تشبه الرموح ليرضبا بها الجذوع حتى تسقط حبات الزيتون أرضاً على قطع النايلون. أشعة شمس قوية تطل من بين أشجار الزيتون وكأنها وحي صوفي. هكذا هو الحال في الصور "سياط"، "أولاد الشمس" و"انقضاض" (هنا عامل واحد فقط ينقض بعصاه على شجرة الزيتون تحت أشعة الشمس القوية). في صورة "المغنية في الحديقة" هنالك عاملان في جهة اليسار بينما يظهر في المركز كمية كبيرة من حبات الزيتون المتراكمة على قطع النايلون بجانب الأشجار وماكنة الهز. لا يزال هناك ضوء ضبابي يبزغ من بين الأشجار، قد يكون غباراً.

في حين أن التسمية "سياط" و"انقضاض" تدل على عملية "عنيفة" يتم توثيقها (تشبيه للعنف الحقيقي الذي يمارس عند قطع وتخريب أشجار زيتون تابعة لفلسطينيين في "المناطق المحتلة" على يد يهود)، التسمية "أولاد الشمس" و"المغنية في الحديقة" هي تسمية أكثر سخرية: "أولاد الشمس" هو طبعا اسم لفيلم اسرائيلي صدر سنة 2007 ووثق أبناء الجيل الأول من أولاد التربية المشتركة في الكيبوتسات، إنهم أول أولاد وُلدوا في اسرائيل في بداية القرن العشرين ونشأوا على ايديولوجيا الكيبوتسات الطوباوية. الآن، "أولاد الشمس" هم العمال الفلسطينيون الذين يُشغّلون تحت أشعة الشمس الحارقة على يد كيبوتس تأسس (على غرار حركة الكيبوتسات كلها) على أساس فكرة العمل المستقل، ناهيك عن معارضة
استخدام العمالة البروليتارية الرخيصة...

"المغنية في الحديقة" هو طبعا اسم مقتبس عن سفر "نشيد الأنشاد" ("المغنية في الحديقة، أصدقاء يستمعون لصوتك...") – رمز لملحمة حب شاعرية، مثلما هو تلميح ساخر أيضا للإصغاء لصوت الغير... لكن، ليس أقل من هذا، عنوان الصورة مأخوذ عن عنوان كتاب لحايم هزاز صدر في سنة 1944 والذي يحكي قصة اليهود الذين قدموا من اليمن في القدس في أيام الحرب العالمية الأولى. بكلمات أخرى، رواية عن "الآخرين" في المجتمع اليهودي يُستخدم عنوانها الآن لوصف "آخرين" آخرين... كما وتم اطلاق الاسم "المغنية في الحديقة" على بيت ضيافة في مستوطنة حرمش في المناطق المحتلة.
إن وضع العامل الفلسطيني في اسرائيل شغل بال سيغليت لنداو منذ بداية سيرتها الفنية. ففي سنة 1955 وفي معرض جماعي ("أرتفوكوس") برعاية سريت شبيرا في المحطة المركزية الجديدة جنوب تل أبيب، اقتحمت لنداو حائطا وكشفت غرفة سرية وأغراضاً لعامل فلسطيني، ماكث غير قانوني. مكثت الفنانة في منطقة العرض طوال فترة المعرض. في نفس السنة شمل معرضها في متحف اسرائيل (هاربايت) "خيمة عامل" جزء منها محروق. وفي سنة 1977 وضعت في بينالي في البندقية حاوية تستخدم كمكان سكن ارتجالي لماكث غير قانوني (هنا وسعت لنداو تضامنها مع العمالة الأجنبية عامة، مشيرة الى العاملين التايلنديين الذين تسللا في حاوية للوصول الى أوروبا وتجمدا فيها حتى الموت). في العمل البيئي في KW البرليني تضامنت سيغليت مع العمالة الوافدة التركية. هذه أمثلة لبضع من المواقف الفنية التي اتخذتها سيغليت لنداو تضامناً مع حقوق العمال بشكل عام (أنظروا الى حذاء العمل الذي تم بناؤه بالملح في البحر الميت والذي أغرق في سنة 2011 في مياه خليج غدانسك خلال نشاط لحركة تضامن بولندية) ومع حقوق العمال الفلسطينيين بشكل خاص. صور قطف الزيتون تنضم الى هذه النشاطات التضامنية.

الفيديو "أربعة دخلوا بيارة" يعرض أربع شجرات زيتون يتم هزها بقوة بواسطة ماكينة هز وعدد لا يحصى من حبات الزيتون تتساقط على قطع النايلون المفروشة وتثير غباراً كثيراً. سرعان ما تتبدل ضربات قلب الفنانة بضجيج آلات الهز التي تصدر صوتاً وكأنه وابل من الرصاص. الأشجار ترتجف، تهتز، تهتاج بشكل جنوني، وكل هذا المظهر يشبه زلزال مروّع. هذا الهز الواضح ودون هوادة لأشجار الزيتون يثير دون شك في ذهن المشاهد عمليات هز وزعزعة الفلسطينيين خلال تحقيقات الشاباك (حتى إن محكمة العدل العليا أصدرت قراراً في سنة 1999 يمنع استخدام وسائل هز معتقلين، إلا ان هذه الطريقة لم تتوقف، كما يظهر من التماسات لحركات مدنية وحقوقية مختلفة). علاوة على ذلك، أصداء الممارسات العنيفة في المناطق المحتلة مسموع من خلال وابل "العيارات" الذي تطلقه الماكينات، بينما ضربات قلب الفنانة تعبر عن تضامن رومانسي وناقد في آن واحد. لذلك، بالانتقال من الصور الأربع الى فيلم الفيديو تستبدل الآلة العمل اليدوي للعمال وتغني عنهم. من جهة أخرى،

العنوان "أربعة دخلوا بيارة" الذي تشير الى أسطورة توراتية يعيدنا الى شخصية "الآخر" (اليشاع بن أفوبا) والى زميله بن زوما الذي "اختلس النظر وأصيب": سيغليت لنداو توفر لنا "نظرة خاطفة" حتى "نُصاب".
استخدام الماكنة كتلميح ناقد ضد حركة الكيبوتسات موجود أيضا في العمل البيئي لسيغليت لنداو في KW في برلين، سنة 2008، حيث شغّلت ماكنة لغسل الأواني بفيلم متحرك، من النوع المستخدم في غرف طعام الكيبوتسات. تُرجمت المجموعة الى تقنية وعمل ميكانيكي. استخدام هذه الماكنة يقودنا الى فيلم الفيديو الاضافي في سلسلة قطف الزيتون، الى ماكينة الغسيل في "الشباك":
الشباك الدائري لماكينة الغسيل يعرض لنا دورة غسيل. تقوم سيغليت لنداو بغسل قمصان عمال قطف الزيتون، بعد أن توسخت من الغبار الناجم عن عملية القطف نفسها. ماكينات دوران استعملت أيضا في أعمال أخرى للفنانة، مثل الماكنة الكبيرة التي أنتجت "شعر الأسياد" من السكر في عملها الذي عرضته الفنانة (ودخلت اليه عارية) في منهاتن في سنة 2000. وكذلك شاحنة خلاط الباطون التي تحولت الى "ماكنة بوظة" مزعومة (ركبت عليها الفنانة وكأنها توزع بوظة على الأولاد)، قامت بهذا خلال عملها "الماشية خلال النوم" والذي عُرض في اكستر البريطانية في سنة 2000. استخدمت لنداو حركة الدوران (اللاميكانيكية) في "هولا هوب" أيضا في سنة 1999، عندما لفّت حول جسمها العاري لفاف سلك شائك
بحركة تشبه الرقص الشرقي. الآن، قمصان العمال الفلسطينيين تدور في الماكينة كـ"عمل مغسول" (مقارنة مع العبارة "كلمات مغسولة"). تمحو ماكينات الفنانة فردية العمال في خليط الغسيل، ونظرة المشاهد عبر "الشباك" الى عملية الغسيل تكون نظرة استنكار.

ومع ذلك، تظهر أمامنا الكلمة "جسر" (بالانكليزية) على أحد القمصان. الى جانب الـ"وساطة" لمشروع جسر الملح بين اسرائيل والأردن، الذي عملت عليه سيغليت لنداو في العقد الأخير، تشير الكلمة الى أمل لوساطة مستقبلية بين الشعب المحتل والشعب الخاضع للاحتلال. فرغم كل شيء، ذهاب الفنانة الى كرم الزيتون يعبر عن دخول الى منطقة رمز السلام، والذي يُعدَ أيضا رمز الدولة. إلا إذا جاءت سيغليت لنداو الى منطقة الظلم في "كان لصديقي كرم في كيرن بن شيمن...".
*
قام داني كرفان في سنة 1999 في متحف بيتشي في براتو الايطالية بعرض شجرتي زيتون متجاورتين: إحداهما مغروسة داخل كومة تراب على شكل مخروط والثانية معلقة بالسقف بشكل مقلوب، جذورها المخلوعة نحو الأعلى وقمتها نحو الأسفل. شجرة الزيتون، رمز التمسك بالأرض، تحولت مع السنين الى رمز الاسرائيليين والفلسطينيين والى موضوع متضارب بالنزاع على الاستيطان في يهودا والسامرة: مستوطنون خلعوا ويخلعون كروم زيتون فلسطينية، أما الآخرون فيعلنون عن ملكيتهم لأراضي من خلال غرس أشجار الزيتون فيها. في الابداع الفني لداني كرفان شكّلت شجرة الزيتون المغروسة رمزاً للسلام بين شعوب الشرق الأوسط، كما وغرس في سنة 1976 شجرة زيتون ضمن معرض في بينالي في البندقية. الآن، ازدواجية المغروس والمخلوع تندب على حلم السلام الذي اقتلع بفعل الممارسات العنيفة واللامتناهية في الشرق الأوسط وتشير بإصبع الاتهام نحو عدم وجود سياسة سلام حقيقية بما يكفي من قبل حكومة اسرائيل.

قام يغآل تومركين بين السنوات 1981-1982 بصنع عدة منحوتات متعددة المواد تتناول موضوع شجرة الزيتون، في القدس وفي قرية عرابة. وصل الفنان الى هذه القرية في يوم الأرض سنة 1981 وصنع تحت شجرة زيتون قديمة منحوتة "تعريف شجرة الزيتون". عرّف تومركين من خلال عمله هذا شجرة الزيتون كـ "رمز التعايش"، على حد تعبيره، عندما أحاط الشجرة بدائرة من الأحجار وقام بشد كابل حديدي مائل منها الى الشجرة وعلق عليه أقمشة ملونة، كما ووضع جرة فخار عربية مليئة بالماء على الأرض خارج الدائرة ودفن بجانبها سلاحا تحت الأرض. على كل هذه التركيبة
يطل مقعد جلوس والذي من المفروض أن ينعزل عليه المشاهد، يتمعن ويفكر.

داني كرفان، شجرة زيتون مغروسة الى جانب شجرة زيتون مقلوبة، 1999 يغآل تومركين، تعريف شجرة الزيتون 1981
في حوالي سنة 2006 قامت ياعيل بارحنا بإنتاج فيلم فيديو يظهر فيه شاب عربي يجدف بقارب نحو صخرة أندروميدا اليافاوية ويضع عليها شتلة زيتون كان قد حملها معه في قاربه.
إن لوحات "قطف الزيتون" لسيغليت لنداو من سنة 2012 ترتبط بتقاليد فنية اسرائيلية قديمة، محترمة وثرية، حيث شجرة الزيتون المرسومة أو الحقيقية تلعب دوراً رمزياً في الحقوق والنضال العنيف لشعبين يعيشان على أرض اسرائيل، وفي نفس الوقت، تلعب دوراً رمزياً للسلام (ونهاية الكارثة، اذا تذكرنا الورقة التي حملتها الحمامة الى نوح بعد انتهاء الطوفان).
وكيف يمكن ألا نختتم مع أغنية لآجي مشعول من سنة 2002، "شجرة الزيتون" (وشكرا لأفنر بينتشوبر على التوجيه):
غرسوها بين ثلاث أشجار جوز الهند على طبقة حصى حمراء من هوم سنتر وسط مفترق طرق تحول بين ليلة وضحاها الى دوار سائقون مسرعون الى بيوتهم قد يرونها من بين جرتين فخاريتين منبطحتين لكن لا وقت لديهم للقصة الملتوية
النامية من جذعها أو قمتها المسطحة المقلّمة على يد مقاولين ساخرين ولا يمكنهم تخمين جذورها المرتبكة في بحثها عن طريقها في التربة الغريبة متمسكة بالأرض الأم ملتصقة بها وكأنها زوادة للطريق لكن زيتونها الممدود من غير طلب يسوّد وجهي ولا أي ورود صغيرة قد تلهي قلبي عن الخجل  
חסר רכיב