آلام الولادة
'آلام المخاض'، المعرض الجماعيّ الجديد في غاليري چڤعات حبيبة للفن، يقدّم لنا 27 فنانًا وفنانة و50 عملًا، ترافقهم مشاعر الإلحاح، الفقدان والصدمة، والتي قد تتحول أيضًا إلى قوى هائلة تسهم في التعافي، الإصلاح والولادة. أي ولادة هذه؟ إنّها ولادة الحياة، العلاقات الاجتماعيّة والأنسجة الجديدة التي تجمع بين مختلف الشرائح في مجتمعنا.
يُعنى المعرض بالعلاقة بين الصدمة والتحولّ وبكلّ ما نمرّ به في طريقنا إلى هناك: الألم، العلاج، السيزيفيّة، التحرّر، التحوّل والتعافي. يقام المعرض في ظل حرب ومعاناة لا يستوعبهما عقل بشريّ. وعند معالجتهما، تتجدد الثقة بالبشرية ودوافعها.
دوريّة سيرورات الولادة، دورات الحياة والموت والوعي البشريّ دائم التطوّر، والقادر على السير قدمًا من منطلق إدراكه للخوف، يفضي إلى وعي واسع الأفق، يتحرّك في هذا المعرض على ثلاثة محاور. والمحاور الثلاثة تدور حول محور إضافيّ، محور الحياة والموت.
محور الخوف، ممتد من تصوّراتتنا للولادة والوالديّة في سياق المبيت المشترك في الكيبوتسات سابقًا، مرورًا بالأساطير التي تمجّد التضحية، الحرب والموت، آليات إخراس بعض شرائح المجتمع والصدمات التي ترافقنا جميعًا، وصولًا إلى النظرة المذعورة والمُحبَطة لدى الأجيال الشابة.
محور التغيير، هو سيرورة جوهرها مجهول: وفيها انتظار وتحمّل وترقّب، مرورًا بالألم المصحوب بالحياة والموت، على أمل الالتقاء بالحياة في نهاية المطاف. محور التغيير هو محور التحوّل الذي ينحت في طبقات المادة الرقيقة بغية الوصول إلى روح جديدة.
محور الولادة - إنّها ولادة حياة جديدة، تتنقّل بين أبعاد وأشكال هندسيّة مجرّدة، قد تعطى فجأة اسمًا مختلفًا، بحيث تكون الزخرفة العربيّة نجمة داوود، وتكن نجمة داوود زخرفة عربيّة. التوق للجمال وسط حالة الرعب الشديد يبدّد هذا الرعب، ليفتح الباب أمام مستقبل فكريّ-مفاهيميّ جديد.
سيرورة الولادة مقترنة بشركاء عديدين، تنجح عندما يرون الآخر، عندما يراهم الآخر هو أيضًا، وعندما يتعاونون فيما بينهم.
المحاور الثلاثة تقع دائمًا على محور الحياة والموت الذي يخيم فوق رؤوسنا هذه السنة أكثر من أي وقت مضى. ويتضّح لجزء كبير من البشريّة، بنظرة واعية وغير ساذجة، أنّ السلام فقط ولا شيء سواه هو الأمان ، وأنّ ما يحدث الآن هو صراع بين الأطراف المتطرّفة.
بعض هذه الأعمال تتناول محورًا واحدًا أو اثنين، بينما تتناول أعمال أخرى جميع المحاور في آن واحد. وجهات نظر شخصيّة، اجتماعيّة، سياسيّة، جندريّة، علاجيّة واجتماعيّة-نفسيّة تتقاطع فيما بينها بشتى الطرق. ولو أمكننا أن نمد بينها جميع الخطوط، ما هو يا ترى شكل الحيز الذي سينشأ!
في الوقت الحاليّ، يعيش مجتمعنا في هذه البلاد، والذي تربطه بهذه الأرض علاقة وثيقة، حالة من الألم الشديد. الضوائق النفسيّة نابعة حاليًّا عن البعد الاجتماعيّ-النفسيّ أيضًا: عن عدم قدرتنا على الشعور بالوحدة والتآزر. نحن وحيدون ولا نشعر بأيّ انتماء.
لِمَ يحدث ذلك كلّه؟ إلى أين سيقودنا/قد يقودنا ذلك؟
الصفائح التكتونية تتحرّك الآن. في التاريخ اليهوديّ، دُمّر الهيكل مرتين، وربما يمكننا الآن مقارنته بإسرائيل بعد نحو سبعين عامَا. عملية تفكّك الدولة،كما عرفناها، تحدث أمام أعيننا الآن. قد يؤدّي ذلك إلى عاصفة، ولكنّه قد يؤدّي أيضًا إلى إنشاء مبنى جديد يصحح أخطاء تاريخيّة بواسطة الفهم والاعتراف والبناء. إذا تحدّثنا من منظور أوسع بكثير، فنحن نقف على عتبة ألفية جديدة. يرى العديدون أنّ العصر القديم كان خاضعًا لسيطرة النساء، ومنذ أن وثّق التاريخ، لا نألف سوى مجتمع يحكمه الرجال. العصر الحالي، المدعو أيضًا الألفية الثالثة، هو في آن واحد فرصة وواجب يدعو للربط بين الطرفين. إنّه عبارة عن مجموعة أدوات جديدة. ونحن متواجدون وسط هذه العاصفة.
الحياة كلّها مختبئة في كنف جمال صَدَفة، أو ربّما في قوقعة حلزون. بنظرة إلى الخاص، يمكننا تعلّم الكثير عن العام. فهو ليس إلا مجموعة من أشياء خاصة عديدة. كيف تتم الولادة في العصر الحالي، وكيف لها أن تتم أصًلا؟ كيف يسهم علاج صدمات ولادتنا، كبالغين، في تغيير حياتنا جميعًا؟ كيف ننشئ مجتمعًا مشتركًا يرتكز عى أسس أخرى؟
الإنسان، الأرض (والكائنات الحيّة)، المذكّرة والمؤنّثة، تشكّل معًا الحياة والواقع.
يتساءل المعرض عن السر الغامض المدعو حياة، وعن معنى الإنسانيّة. إنّه يتساءل أيضًا عن الحرب والكوارث والسلام باعتباره طريقًا متعقّلة، وذلك من منظور أوسع، يحوي في داخله جميع المصادر، علاقات القوة ومختلف الآراء والتوجهّات المتطرّفة ضمن حدوده؛ منظور قادر على تجاوز حدود المادة وطرق التفكير المتبعة. ربّما سنتمكّن عندئذ من رؤية صورة أوضح، نسمو بها إلى مرحلة أعلى.
أخيرًا، هذا المعرض هو عبارة عن مجموعة من اللحظات، أحيانًا شظايا تجربة توقظ وتُسكِر الوعي الذي يريد الصراخ عاليًا تارةً، وفرض حالة من الهدوء والسكينة تارة أخرى، ويسعى لأن يكون مأوى مشتركًا للألم والتعافي والحركة الجديدة.
عنات ليدرور، القيّمة على المعرض