חסר רכיב

אנא היא - أنا هي- I Am Her

بثينة أبو ملحم – سهاد ديب – دعاء بدران – رحمة حمزة


عمّ ولِماذا؟


هذا المعرض هو المعرض الثاني، الفصل الثاني من ضمن ثلاثة معارض سوف ننظمها خلال العام الحالي (2019-2020) في جاليري السلام جبعات جبيبة، والذي يتناول اللا مساواة بالنسبة للنساء في إسرائيل وحتى في مرحلة ما بعد بعد الحداثة.


المعرض الأول "أنا الفن العامل"، حيث عرضنا للفصل الأول والمشوار الفني لفنّانتين من مجتمع الكيبوتسات. فانعدام المساواة الجندري والفنّيّ كان متواجدًا في الكيبوتسات أيضًا، رغم أن مجتمع الكيبوتسات كان قد نقش على رايته قيمة المساواة، الأمر الذي لم يتحقق فعليًا على المستويين الجندري والفنّيّ. الفصل الثالث سوف يُعرض بداية العام 2020 ويتمحور حول موضوع قتل النساء في إسرائيل.


أنا هي يعرض نظرة سينية ثاقبة لأربع فنّانان من المجتمع العربي الفلسطيني في إسرائيل، حول وضع ومكانة النساء في هذا المجتمع، وكذلك مكانتهن في البلاد عامة وفي المجتمعات الإسلامية الأخرى في العالم. يقدم هذا المعرض مقولة متعددة الجوانب، محلية وكونية على حد سواء. تشكل هذا المعرض من خلال التصوّر المرافق للمسيرة التي شكلتها حملة Me Too في العالم وفي البلاد، وفي اعقاب سنة دموية قتلت خلالها أكثر من 20 امرأة في إسرائيل، و-192 امرأة خلال العقد الأخير.


بثينة أبو ملحم، سهاد ديب، رحمة حمزة، دعاء بدران، أربع فنّانات تعرض كل واحدة منهن وجهة نظر شخصية لاذعة. وجهات النظر هذه تشكل معًا نظرة متعددة الأجيال، مركّبة ومتكاملة ومتغيّرة خلال مسار تطورها.


بثينة أبو ملحم

الفنّانة بثينة أبو ملحم النشطة في حقل الفنون منذ مدة طويلة تجلب نظرة شبه تقليدية تعبّر عن المرأة ودورها كحافظة للثقافة، والذاكرة والألم الفلسطيني بواسطة استحضار تقنية الحياكة التقليدية والتطريز الفلسطيني الذي تحول إلى رمز للنضال والثقافة النسائية. عبر عمليات فنّيّة تصنع ملابس غير قابلة للبس متجمدة في الزمن، من خلال عمل نسائي من التجسير والربط بين الماضي والحاضر، الأصلي والحداثي، الحرفيّة والفن، يتم حياكة "القمصان" ونسج تقاليد وثقافة ريفية إلى داخل حاضر تنغرز فيه الإبر وتبقى الخيطان متدلية في الهواء.


"القماش العربي هو عالمها، والتطريز المغروز في القماش يشكّل بطاقة وأصداء هويتها" (حاييم مئور) كامرأة وكمجتمع. الإبرة تخيط وتربط لكنها توخز وتتكاثر ووخزها يؤلم.


تبدي أبو ملحم مرونة ومهارة نسائية كانت من نصيب المرأة العربية. تلك التي أزيحت إلى حدود بيتها وهناك بنت مملكتها. المواد التي تستخدمها هي توابل المطبخ (مثل القهوة)، خيطان تطاريز نسائية، إبر، القماش القطني العربي، الشمع وغيرها. وهي تتنقل بمرونة في فنّها بين المواد المعروفة التي تملكها كل امرأة فلسطينية في بيتها. تنطلق أبو ملحم من التقاليد بواسطة قوة المرأة التقليدية، كمحور هام في الحفظ والذاكرة والترميز لقصة الشعب الفلسطيني، ثقافته وتاريخه، بواسطة التطاريز الموجودة في العديد من البيوت وكأنها مخطوطة نادرة للتاريخ.

 
في أعمالها المشاركة من  مجموعة "الإبرة غلبت الحائك" يمتد الملبس على لوحة القماش، وتصبح الخلفية سوداء، تترك الأمثال ولغة الضاد مكانًا لحضور أساسي للدال والمدلول، الخط والنسيج المجردين. وفتحة اللباس المتغيرة تحصل على أهمية مركزية: بذراعين مفتوحين أو مغلقين مطويين، وأمل التواصل أو أحاسيس مصلوبة.


فخر وانكسار، لغة ورسالة، حفظ وتجميد الوقت، كلها تُحاك من الحرفية إلى الفن: اللباس والكساء يتحولان إلى غرض وإلى عمل فنّيّ. الكساء يتحدث عن الجسد بغيابه، عبر عملية نقدية للتشييء.

تقدم لنا بثينة أنموذجًا نسائيا يستمد قوته من الماضي وجذوره، يطوي داخلها هويّة نسائية، عائلية، ثقافة وتقاليد. رغم تواجده في الحاضر، في فضاءات اللجوء والانقطاع، فهو يحافظ على نظرة منتصبة إلى المستقبل.


سهاد ديب

سهاد وبثينة تتعاونان منذ مدة طويلة، فهما من القرية نفسها (عرعرة) وتلتقيان في عدة محاور؛ لكن موقف ديب، والتي تصغر بثينة بنحو عشر سنين، تختلف من ناحية مواد الإشعال واللبنات التي تنبي منها مقولتها.


تتحدث سهاد ديب بلغة مباشرة متحررة، عبر التعامل مع جسد المرأة وعملية إعادة استملاكه لنفسها مقابل أنشطة فنّيّة كولونيالية للفنّان الفرنسي أنغر من القرن الثامن عشر، في عمله "حمام تركي" حيث يرسم المرأة الشرقية الاستشراقية كامرأة غربية، ويسمح له بمنحها نظرة شبقية أكثر مما كان مقبولًا في رسومات عري النساء الغربيات في تلك الفترة. وبعمل مثابر شبه استحواذي تصور ديب وتفكك، تقص وتجمع، تكتب (عذراء، الجسد لي)، تحجب وتؤكد عبر لا نهاية من القصص والروايات التي تهدف جميعها إلى استعادة الملكية على جسد المرأة تلك، المرأة التي تكونها.


ديب، على غرار شريكاتها في المعرض، تتواجد في الحيّز بين الرسم والنحت، وتستخدم مجال واسع من المواد، شخصيات امرأة من التراب محفوظة ومُجمدة داخل مرطبان زيت، أكياس توابل وحيوانات منوية، لوحات أكريل بألوان الأحمر، الأسود والذهبي، على مسطحات كبيرة تدمج بين التطريز، الخيطان، الحبال، وربطات العنق الرجالية، تتحدث عن حقها الكامل أمام وجهات نظر غربية من القرن الثامن عشر ولكن وبشكل خاص مقابل المجتمع الذي تعيش فيه، عن الحرية الذاتية على جسدها ورغباتها، خياراتها في الحياة الزوجية والعائلية مثل النساء جميعًا. تُحدد سهاد ديب حدود المرأة من جديد، وكذلك فضاءات الخصوصية النسائية التي تستحقها النساء.


وفي إدراكها تتعامل كذلك من القدرة البديهية للبيئة القريبة، الاجتماعية والثقافية على اقتحام خصوصية النساء على نحو من يشعر بأنه صاحب القوة الشرعية على اقتحام المعلومات واشباع وفضوله.


حيّز الاقتحام الفضولي، الذي لم يتم بعد صده، حيث تسأل الرجولة المرأة في الحيز العام حتى، كامرأة في المجتمع الإسرائيلي (العربي واليهودي على حد سواء) لماذا لم تنجب بعد الأطفال ولماذا لم تتزوج؟ هل هي عذراء؟ هل هي حامل؟ وهي تتحدث بهذا بلسان العديد من النساء الراغبات بخطاب يتواجد في أماكن أخرى في العلاقة بين الرجال والنساء. 


"بدون عنوان"، العمل الأسود الأخير لسهاد ديب، ربما خاتمة وربما افتتاحية لفصل جديد، يبدأ بخط انتاج صناعي فيه رؤوس دمى في فاتيرنا الحوانيت وبخاخ صناعي أسود. من الصدمة أو ربما الصمت تتحدث عن القوة، الهدم، التدمير.



رحمة حمزة

رحمة حمزة (24 سنة) تعيش وتعمل في بير المكسور في الشمال، خريجة (حديثة نسبيًا) دراسة الفنون في جامعة حيفا، والتي نجحت بالظهور كفنّانة شابة واعدة تموضع أعمالها حول مضامين الجسد النسائي، موتيفات دينية وجنسية، طبيعة وطباع، جمال وكمال. تبني حمزة أعمالها من خلال تكتيك جمالي بينما تقوم بتفكيكها وتركيبها من جديد على القماش والحيّز النحتي، أشكالًا عضوية لشخصيات ذات موتيفات نباتية.


مصدر الهامها من النباتات الشبقة وأزهارها. فعندما تكبّر أزهار النبتة فهي تُظهر جمالها الخلاب وكمالها وجهوزيتها للظهور. "الأزهار هي الأعضاء التناسلية للنبات، وهي طبيعية وجميلة"، تقول حمزة.


على مر العصور تم التشبيه بين النساء والأزهار من خلال العديد من المفاهيم (الطهارة، الخصوبة، الجمال) والعديد من المجالات (الأدب، الفن، الشعر وغيرها)، لكن جزء كبير منه لا يتم الحديث عنه في المجتمع الذي عاشت فيه رحمة.


عملت رحمة على إثراء عالمها الداخلي بشكل مستقل، عبر الكتب والقراءة الوافرة عن النساء والجسد. إضافة إلى طبقة سميكة من التصورات النسوية التقدمية التي طورتها خلال دراستها. الأمور التي تراكمت معًا على شكل كتلة رقيقة لكنها ثقيلة.


مع تلك الرقة الكبيرة، التي تظهر كبصمتها الشخصية، هنالك الشجاعة والإصرار على الأهمية التي توليها للتعبير كامرأة عربية عن الحاجة إلى الحديث عن الأنوثة والجنسانية الطبيعية التي تظهر أكثر لدى إسكاتها.

 

عبر النحت الحرفي الماهر والرقيق تُنتج أغراضًا تنسب للإله وللطقوس الدينية. وهي موجهة للنسائي الجميل والطبيعي وهي تسميها "أعضاء مقدسة". تعود وترسم نفسها في لوحات زيتية رقيقة، شبه تجريدية، متعددة النظرات والاتجاهات وأشكال عضوية للجسد النسائي، أحيانًا يكون ذلك وجهها هي وأحيانًا أجزاء من نباتات مزهرة مكبّرة.


دعاء بدران

دعاء بدران ورحمة حمزة، فنّانتان شابتان تجلبان معًا صوتًا قويًا ينظر إلى المرأة من جوهرها الحر وروحها الكبيرة، عن طريق الأساطير والعلاقة مع الطبيعة يتم تضمين عظمة المرأة وكذلك اختزالها عبر الثمن الذي تضطر إلى دفعه على مدار وجود السلطة الذكورية. بدران (26 سنة)، من كابول، خريجة دراسة الفنون في جامعة حيفا مثلها مثل رحمة، ترصد في أعمالها التنقل بين المادة والشكل. 


تخطيطاتها ومنحوتاتها في حوار متواصل، مترابطة ولكنها ليست متجانسة. تصنع منحوتاتها بواسطة الجمع بين موتيفات تقليدية وأغراض ناجزة يومية. مواد مختلفة تتشكل بين يديها على هيئة تصوير هو دائما تصوير جسد ما، جسد نسائي.


احجار بناء الأنوثة لدى بدران أسطورية، تقليدية، يومية، ودراسة للجوهر. ففي الأساطير: من الإلهة الأم التي خلق العالم من دمها عبر كاهنات الجنسانية من الثقافة البابلية اللواتي اعتبرن قديسات. هكذا تبحث في دور النساء في العالم، ما هي القداسة النسائية، وما هو دور الإنسانية، ما هو الكمال. وعبر هذه الأسئلة تسأل عن العالم نفسه من نظرة نسائية: هل ينبغي علينا أن نعطي كي نأخذ في هذا العالم؟ هل من الجدير أن نولد في هذا العالم؟


جسد بدران مجروح؛ هنالك بتر أو إصابة ما، تلتقي مع المادة والشكل. وهي تعالجها وتحولها بذلك إلى جزء متأصل في أعمالها. من يؤذي ومن يتأذى؟ المُنتِج أم المادة؟ فعلي سبيل المثال، في عملها "حبل السرة" حيث تستخدم الصوف الفولاذي (ليف سلكي).


السيرورة عميقة، شخصية وأحيانًا علاجية، لكن لوقتها كامنة بأنها تتحدث بالقوة نفسها عن الجوهري، الواسع، الأسطوري، كأنها تدرس وتبحث عن الوصول إلى جوهر التعريف المنقي للجوهر النسائي.



خاتمة

ليس من المؤكد أن تتمكن الفنّانات الأربع من اغلاق دائرة مقولة واحدة مشتركة، ولكن هذه هي الجودة النوعية النسائية، فليس ثمّة حاجة لذلك. لديها القدرة متعددة الطبقات على تشكيل مقولة معقدة تشمل هذا وذاك، وذاك وهذا.


معًا يشكلن طبقة غنية من الحكمة النسائية التي تعكس نسائية قوية ومهمة أيضًا في الحيّز التقليدي وأيضًا في الحيّز المعاصر؛ لكنها نسائية ما زالت تصارع على حقها بأن تكون كذلك في العالم.


                                                                                                                                 عنات ليدرور، قيّمة المعرض






חסר רכיב